فلسفة الأدب:
إن فوضى الأدب وبلبلة الأدباء تحملان نصيبا غير قليل من مسؤولية التزعزع النفسي والاضطراب الفكري والتفسخ الروحي المنتشرة في الأمة..
والشاعر والأديب الحقيقي هم من الناس من صميم الناس وليس من ظن نفسه فوق الناس وهم مرآة الجماعة ومصباح في الظلمات وعون في الملمات وسيف في النكبات ويشيدوا للأمم قصورا من الحب والجمال والحكمة.
والأدب الصحيح يجب أن يكون الواسطة المثلى لنقل الفكر والشعور الجديدين الصادرين عن النظرة الجديدة إلى إحساس المجموع وإدراكه وإلى سمع العالم وبصره فيصير أدبا قوميا وعالميا لأنه رفع الأمة إلى مستوى النظرة الجديدة ويضيء طريقها إليه ويحمل في الوقت عينه ثروة أصلية في الفكر والشعور والوانهما إلى العالم..
إن الأدب الذي له قيمة في حياة الأمة وفي العالم هو الأدب الذي يعني بقضايا الفكر والشعور الكبرى في نظرة إلى الحياة والكون والفن عالية أصيلة ممتازة لها خصائص شخصيتها فإذا نشأت هذه النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن أوجدت فهما جديدا للقضايا الإنسانية كقضية الفرد والمجتمع وقضية الحرية ...
مازال بعض ناشئة الأدب الحديث يفهمون التجديد على غير وجهه فهم يريدون الخروج من الماضي والانفصال عنه انفصالا تاما واستعمال ادوات اخرى تخالف ما كان يُستعمل من ادوات وأصول فيريدون في التجديد مثلا : ان يكون مرسلا غير مقيد بقافية واحدة؛ او يريدون التحرر من اوزان البحور وربما غالى بعضهم فأراد أن يبتدع الشعراء اوزانا خاصة وقواعد خاصة يسيرون على نمطها في العصر الحاضر دون ان تكون لهم صلة بماضي اللغة وقواعدها.. ويريدون من التجديد في النثر ألا يتقيد بفصيح اللغة وأن يكون اسلوبه أقرب إلى العامية من الأسلوب الفصيح الذي يلائم الذوق الأدبي السليم ..
أرى أن يكون الأدب هو أن يشعر الشاعر أو الأديب أو الكاتب بشعور العصر الذي هو فيه ويعبر عن ذلك تعبيرا صادقا ممثلا لصفات ذلك العصر الذي وضع فيه هذا التعبير ؛ بحيث تكون له شخصية خاصة تخالف شخصية أي اديب في عصر آخر ؛ فلا يصح أن يأتي شاعر من شعرائنا في العصر الحالي ويحاكي شعوره وإحساسه شاعرا من شعراء الجاهلية أو شاعرا من العصر الأموي او العباسي او غيرها..لانه لا يكون في الحقيقة معبرا عن عصره بل هو مقلد لم يات بشيء جديد وليست له شخصية مميزة.
فالتجديد في الشعور والإحساس وتقدم الحياة العقلية.
ان ما تتعرض له الأمة من ويلات وكوارث تجعلنا نعيش محنة من أشد المحن على المستويات كافة فواجب الجميع من إدباء وشعراء ومفكرين وفلاسفة ومبدعين أن يرتقوا بواجبهم وتنظيم عملهم ويسموا بنظرتهم إلى الحياة والكون والفن والوقوف في وجه فوضى الأدب والفكر وبلبلة الادباء ويرفعوا لهذه الأمة التي تتخبط في الظلام مشعالا فيه نور ..فيه امل..فيه صحة وعافية..واتركوا الخيال الذي لا روح فيه ولا حقيقة واطرقوا المواضيع الحيوية والعمرانية وشهروا تشهيرا لا تخشوا فيه مواضع الضعف في الأمة مشيرين إلى كل ضعف في أخلاقها وخلل في عاداتها ونقص في كيانها ..
فالكاتب والشاعر وغيره ممن يعملون في حقل الثقافة والفكر معنيون جميعا بأبرز وأسمى ما في كل خير او في كل قضية تشمل عناصر النفس مع عدم مفارقة الحقيقة والغرض الإنساني ..
فتعالوا جميعا أن نرفع لأمتنا التي تتخبط في الظلمات مشعلا فيه نور حقيقتنا وأمل إرادتنا وصحة حياتنا..
تعالوا نشيد لأمتنا قصورا من الحب والحكمة والجمال والأمل بمواد تاريخ أمتنا ومواهبها وفلسفاتها واساطيرها وتعاليمها المتناولة قضايا الحياة الإنسانية الكبرى.
فعلى الأدباء الواعين أن يحجوا ويسيحوا فيعودوا من سياحتهم حاملين أدبا له منزلة في الفكر والشعور الإنسانيين تسمو على كل ماعرف ويُعرف من قضايا الفكر والشعور..
إنى أرى بأنه لا بد من القيام بجهود جبارة ليصبح الأدب كله من نظم وشعر وفلسفة يعبر عن حياتنا ومثلنا وسيجيء اليوم الذي يتحقق فيه ذلك وتصير الروحية والعقلية في الأمة كلها الغنيتان بمواهبهما الطبيعية معينان ينهل منهما الأدباء وأهل الفنون والعلماء والفلاسفة الذين يخرجون من صميم الشعب..ويجعلون أمتهم في مصاف الأمم التي لها أدب جدير بالبقاء وباحتلال المركز الأول عالميا لأنه يوجد في أمتنا من روائع المظاهر والمكنونات النفسية التاريخية ما يستهوينا لاستخراج كنوزها واستئناف مجرى خططها السامية...
الأديب الباحث: غسان صالح عبدالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق