في بيتنا عفريت
في خمسينات القرن الماضي، كانت أمي ونحن أطفال، مثلها مثل غيرها من الأمهات، تحكي لنا بالنهار، حكايات وقصص في وقت فراغها القليل، وكانت قصصها تبدأ بالقول:_
كان يا ماكان، في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان.. ثم تسرد قصصها عن الشاطر حسن وحديدون وعلي بابا والسندباد ، أما قبل النوم فكانت قصصها كلها مشحونة بالرعب والخوف، عن أبطال خيالية خرافية واسطورية، الخط المشترك فيها جميعا هو الرعب والخوف.
عندما كنت اطلب منها ان تعطيني تعريفة او قرش، تتظاهر انها تبحث في جيابها، ثم تقول:_تذكرت الآن، لقد مر الحكواتي لحارتنا، والقادم من القرية المجاورة لقريتنا، واعطيته القرش، مقابل ان قص علي حكاية،سأنقلها لك..
ثم تقوم بسرد قصتها.
بعد رحيل أمي رحمها الله، ورثت اختي الكبيرة إعادة قصصها مع بعض البهارات عليها.
في أحد ليالي الشتاء الباردة، راحت أختي تقص علينا إحدى هذه القصص:_
وجهه أزرق، رجله مسلوخة، عيونه مستطيلة، مخالبه حادة كالسيف، شعره أجعد، هلامي الشكل، عملاق تارة، وتارة قزم.
لكن.. بكل الأحوال ، لا أحد يقوى عليه، إنه مدمر، قاتل..
له اسماء عدة (جن، شبح، شيطان، مارد، عفريت، رصد، غول.)، يأتي الواحد من هؤلاء بالليل ويهاجم من يقذف الماء على الارض بالليل، دون نطق البسملة ، او من ينظر للمرآه بالليل .
أعود لتلك الليلة، كانت أختي تتثاءب اثناء سردها لقصتها المفزعة عن العفريت ،و التي بدأت بها، ثم توقفت عن السرد، ورحنا ننتظر أن تكمل،لكن سمعنا شخيرها.
اخوتي إستسلموا للنوم، هكذا بدى لي، وانا رحت أغطي رأسي باللحاف من الخوف، وطار النوم من رأسي، وأنا أتخيل هذا العفريت.
لم انم من الخوف بعد هذه القصة التي لم تكتمل،بعدها سمعت طرقا خفيفا على باب الغرفة، لم يستيقظ احدا من إخوتي، كان الطرق يأتي ويختفي، قمت من نومي وأنا في رعب شديد،أتقدم على رؤوس أصابع قدمي، ونظرت من ثقب الباب، وإذ ارى الشيطان بدمه وشحمه مقابل الباب، كان قزما اسودا ، إته الجن الترابي الذي كانت تخبرنا به أمي.
صرخت صرخة مدوية ، واذ اخوتي يصحون من نومهم، وهم في فزع وهلع، وكلهم أحاطوا بي.
خجلت كثيرًا، لقد كان سروالي مبللًا بالماء، الكل تساءل ما بك؟
قلت:_الشيطان على الباب.
قالت اختي الكبيرة:_هل جننت؟ انت تتخيل!
قلت:_اقسم بالله رأيته، افتحوا الباب لتتأكدوا.
لم يجرؤ احد من اخوتي واخواتي ان يفتح الباب، هي ثواني واذ نسمع جميعاطرق الباب من جديد.
بدأ الخوف والعرق يتصبب منهم، ساد الجميع الصمت الرهيب. كان اخوتي كلهم اكبر مني .هنا شعرت اختي الكبيرة انها قائدة المركب ولا بد ان تتماسك وتبدي شجاعتها،فقامت وحملت مكنسة، وراحت تفتح الباب ببطئ، إرتعبت أنا من صوت صرير الباب ، وكأنه يفتح لأول مرة ويخرج منه هذا الصوت، الذي أمتزج مع دقات قلبي، والتي أكاد أسمعها هي الأخرى.
نظرنا واذ امامنا وعلى بعد مترين الشيطان القزم، يا إلهي
كان وجهه مصفحا بالمعدن،وبدلا من أن نطارده، راح هو وبسرعة فقفز باتجاهنا، ووقف على باب الغرفة ، فتقهقرنا جميعا لداخل الغرفة وظهورنا للحائط.
أخذت اختي تقرأ المعوذتين واية الكرسي بصوت مرتجف، ونحن نقرأ ونردد ما تقوله من الآيات، ولكن الشيطان لم يتراجع او يختفي، بل تقدم نحونا، ولما كان فانوس الكاز مضاء، استطعنا ان نراه جيدا.
يا للهول، أننا نسمع صوته، حيث راح يقول :_نااااو...نااااو..
تبين إنه قط اسود، جاء يطلب الدفئ، والظاهر انه كان يلحس بقايا علبة السردين الفارغة، التي تعشيتنا عليها، فطبقت العلبة على وجهه، ولم يستطع التخلص منها.
انتزعت اختي العلبة عن وجه القط، وانضم صاحبنا الخائف الى قائمة الخائفين،ولكن لم ينتزع الخوف من قلبي، فكبرت وانا احمل داخلي شابا جبانا، شفيت من هذا الجبن يوم النكسة.
____
نظير راجي الحاج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق