كذبة سوداء
ابوشيماء كركوك
عواصف رعدية التي حطت على بيتنا أياما وليال وكادت تزهق أرواحا
حتى جاءت فرحة العطشان بماء زلال ، وهدأت القلوب من اضطرابها
وسارت المياه في السواقي ،وبدأ يتساقط الماء من الأشجار والأغصان بشكل جميل
في هذه الليلة التي اشتبكت أغاني الفرح والأهازيج بالأمطار والرعد الذي عزف موسيقاه
كان يوم زفافي من عفاف بنت جيراننا بعد سنة من تقلبات أعمامها وكادت نفسي تغادر من وكرها وتقع في بئر مظلم
لولا رجل كبير السن ، لملم الغيوم وجعل منها هرما يبتسم
- عفاف اصبح الحلم حقيقة
- احمد ،بت أسيرة عندك
قفزت الأفكار السوداوية مرة أخرى وأصبحت تتراطم بين جدران الداخل ،والصمت عم المكان والعيون تترقب والأفكار تنزف
كلمة أسيرة آلمتني ونظرات صديقي شكر أثناء الزفاف فيها كلام
ساعدتها على التخلص من ملابس الفرح وهي ترتجف ويدي تحاول مد شعلة النار الى دواخلها
وقبلاتي على رقبتها وخدها وخصرها
أحاول حمل نبضها الى شم عطور البخور والحرمل التي تحدث صوتا عندما تلامس الجمر تجعل الفكر حاضرا ،
أدفع البخور بطرفي ثوبي عليها لعلها تسكر أو تقول الله الله فتكون ليلة نتذكرها طول العمر
في الدائرة التي أعمل بها ،كانت زميلتي ( جميلة) كثيرة الكذب ودوما أعزف أغنية ( حلوة وجذابة) عندما يجمعنا اللقاء ،
وعندما تخر كذبتها من أعلى السقف تقول : كلمة بيضاء
تنفجر الضحكات
ألقينا الأثقال من الأجساد وبتنا داخل الفراش بلا حواجز وهي تتوسل اطفىء النور ..أستحي
وأنا أضحك معها وأصابعي تداعب جسدها أينما تقع ،وأشم جسدها وشبح الخوف يتملكها ويلفها مع الشرشف الذي سحبته يغطيها رغم محاولتي سحبه ولكني تريثت لعلها تغني
كنت أغني في الدائرة ( لا لا تكذبي ،اني رأيتكما معا)
- هذه الأغنية تؤذيني
هكذا قالت زميلتي جميلة
- ما عاش الذي يؤذيك ،مجرد دعابة
حتى أمي كانت ترتب الأكاذيب على أبي المتعب من العمل حينما يندس الى البيت ليلا ،تحاول خياطة
ما تمزقه من ثياب أو كسر الأواني أو الأغراض الأخرى ،حتى لا يصب غضبه علينا
وفي غضبه تسحبه الى غرفتها وبعد نصف ساعة يخرج شخصا آخر
كنت أتمنى زوجة تشبه أمي في سكب الماء البارد على أبي، وقاسية معنا كي لا نقع في حفر مظلمة أو وادي لا نعرف خباياه وأسراره
أوشكت عيون الليل أن تغمض أجفانها وتسحب ثوبها شيئا فشيئا ومازالت زوجتي عفاف ملتحفة بكل جسدها ودموعها تنزل كقطرات المطر في أول عناقه ونشيج صدرها يؤلف حروفا يكاد شكي يعرفها
وأنا حائر ماذا أؤلف كذبة لأهلي في الصباح
في الدائرة عندما أريد اجازة ،اذهب لزميلتي جميلة تختلق لي كذبة تجعل الموافقة أكيدة
بثت اشارات ضياء الفجر ومازال المؤذن يقرأ الأذكار والتسبيحات قبل الاذان
وعفاف في قرفصائها وأنا المنتظر شوق العناق معها بعدما شارف الصباح على الدخول ضيفا علينا
ولاأعرف رسم عذر تأجيل جولة الزواج في يومها الأول،
نظراتك التي سرقتني من النساء وأصبحتي مليكتي تأمرينني كيفما تريدين ،وهمسك الذي يشعل شموع ميلادي كل يوم ،وحب خيم على سمائي وكلما حاولت الهروب أدخل جنتك
ماذا دهاك ياسيدتي
لو كانت رياحا مؤلمة تؤذي رموش عينيك
يمكننا السير في طريق تختاريه انتي ،
بوحي لي من قلبك المخبأ خلف صدرك البرونزي
أ سقطت حروفي التي عطرتها وجعلتها ورودا على جسدك ؟ أم أخطأت حروفي مشاعرك وأصبحت سرابا
- أريد أقول لك سرا وتحلف لي لا تخبر أحدا
هكذا قالت عفاف.
أمسكت يديها المرتجفتين
- غشاء البكارة
سحبت يدي منها ،ماذا؟
- أقسمت عليك بالله أن تخفي الأمر وبدأت تقبل يدي
قبل شهر ألعب بالخيار وتخيلتك نائما معي وجرحت نفسي
انهالت يدي بضربها والبكاء يعتليني ،وهي تكتم آلامها وتقول اضرب اضرب ولكني صحوت من خيالي وأنا ساجد أمامها
هويت من أعلى السماء ،صرخات في داخلي وبكاء لا تدر عيوني دموعا ،
سقطت ولا أجد يدا حنونا تتلقفني، أفقت من جبل المصيبة التي حلت على رأسي بعد شروق الشمس
ولم أسمع صوت المؤذن
باب الغرفة أصوات ضرباته تقض جسدي ،
كيف أعلم عيوني الكذب ،وأي ابتسامة عرس أرسمها ان كان القلب اظلم من الحزن،
أخذت الصينية من أختي وهي لاتنظر قطرة فرح بين عيوني
تذكرت أختي التي لعب بأفكارها بصور الحب الكاذبة حتى نهشها ك الكلب وفر هاربا
وربطت جأشي حينها وأرسلت له كي يتزوجها فقال:
- التي ترفع ثوبها لي
ترفعه لغيري
كنت وحيدا ضعيفا وله اخوة وعشيرة قوية ،فاضطررنا الرحيل الى مدينة اخرى
شممت أنفاسها الصافية في كل صفحات أيامي ،وبت لاأهوى سوى النظر لحديقتها ،حتى العطور التي أول حروفها يشابه اسمها أحبه
وألقيت نفسي بنيران أولاد عمومتها كي أخرج شتلة الورد منهم وأزرعها في حديقتي
وبعدما رأوا تضحيتي وصدري مشرعا أمام فوهات الرصاص
أشاروا بأسلحتهم الى السماء
ابوشيماء كركوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق