أهمية التاريخ:
من أجل بعث الأمة لتنهض من جديد بحمل رسالتها الإنسانية الكبيرة لاشك بأنه محفوف بالمخاطر والآلام والتضحيات ولن يضطلع به إلا خيرة أبنائها ..
إن أمة عمرها اكثر من سبعة آلاف عام تبوأت خلالها صدارة العالم طيلة العصور القديمة والوسطى بجدارتها وحيوية أبنائها وعطاءاتهم الحضارية الرائعة التي عمت حتى شملت شعوب الأرض كافة..
إن أمة كهذه لن يستغرقها الخمول إلى الأبد وهي لن تشهد ما يسمى بالهزيمة الحاسمة؛ قد تخسر جولات قبل أن تنهض بكل عظمتها إلى تصحيح مسيرة الزمن وتتولى صناعة تاريخها بنفسها من جديد..
.إن الإنتصار الحقيقي والإنجاز الحقيقي هو مرتبط تماما بمؤسسات المجتمع الأساسية كلها؛ سياسية ؛ اجتماعية؛ اقتصادية؛ فكرية ؛ عسكرية والقادرة كلها على دفع المجتمع إلى مرحلة أرقى لتحقيق إنتصارات جديدة دون أن يتهدد الوطن أي خطر بالإنهيار أو الإرتباك أو التوقف ..
يجب أن تكون الأجيال الصاعدة هي الجزء المهم من اهتماماتنا وإذا ما أردنا تحقيق التطور الشامل والمتكامل والبعيد يجب إعداد هذه الأجيال إعدادا تربويا وعلميا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا للوصول بالمجتمع إلى مجتمع{ متحرر ؛ منتج؛ متعلم؛ منظم؛ ملتزم؛ مقاتل؛ تسوده الحرية والعدالة الإجتماعية؛ وإن المسؤولية تقع على النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها كضمانة عظيمة لاستمرار الصعود والتطور والنصر..
ويتطلب أن يتاح للأجيال معرفة حقيقيه بالتاريخ ؛ وتجلو كل طبقات الزيف والتزوير التي صنعها المستعمر؛ فنحرر بوابات الفكر التي مازالت محتلة وهدم كل مخافرها القائمة في المؤسسات التعليمية والجامعية وفي الثقافة والإعلام هي خطوة كبيرة على طريق إنجاز مهمتنا الكبيرة ومن شأنها أن تغدو سلاحا من أشد الأسلحة فعالية في معركتنا المصيرية مع أعدائنا..
ولأن التاريخ أشد التصاقا بالسياسة خاصة بالنسبة لشعب احتلت أرضه وشرد شعبه وزور تاريخه ويخوض في الوقت نفسه صراعا مصيريا من أجل وجوده كله ؛ لذلك نجد أن الدول الإستعمارية ما أن تنهي سيطرتها العسكرية على بلد حتى تبدأ عملية الإستيلاء على مقومات الوجود والوحدة وفي مقدمتها التاريخ فتعمل فيه تمزيقا وتشويها وتحريفا وتبذل كل ما تستطيع لتعطيل ذاكرة الأمة وإبعادها عن تذكر تاريخها الخاص لتبدأ شخصية الأمة بالتفكك والإنحطاط والعقود عن النضال ؛ ثم تفرض مناهج تعليمية من شأنها أن تبتر الشعب عن ماضيه وتغرس في أذهان الشعب المعلومات المسبقة الصنع الجاهزة الصالحة لأن تجعل منه أطرافا متناحرة..
ومن هنا تبرز أهمية التاريخ في الصراع الوطني والقومي لأن تاريخ الشعوب لم يكن في يوم من الأيام إلا سجلا لنضالها من أجل توفير الحياة الكريمة وضد نزعات التلسط والقهر والإحتلال.. وإن الأمم المتخلفة والمتقدمة تتساوى جميعها في تكييف علم التاريخ لمتطلبات التربية الوطنية والسياسية ولكن هذا التكيف لا يعني التغيير أو الإختلاق أو التزوير إطلاقا إنما يعني:
إبراز الإيجابيات الفردية والجماعية في تاريخ الشعب والأمة وانتخاب الوقائع التاريخية الأقدر على التأثير في خلق الإنسان الجديد؛ والكشف عن ملامح خطوط التواصل لوجود الأمة عبر العصور ؛ والكشف عن مواضع التزوير والتشويه وتحرير كل المواقع والبوبات الفكرية في هذا التاريخ؛ وإزالة الإلتباس والتناقضات التي وضعت من أجل شل فاعلية هذا التاريخ في عملية نهضة الأمة وانبعاثها؛ والغوص خلف الحقيقة التاريخية ؛ خلف القضية التي نكافح من أجلها والولوج الواعي إلى وجودها الموضوعي ومنطقها وجوانبها النيرة وإيمانها العميق بمقدرة الشعوب على الإنتصار{ إن حقيقة الأمم والشعوب تكمن دائما في خيرة أبنائها الواعين لمصالحها وظروف تطورها والمناضلين من أجل قضيتها وانتصارها والمعبرين عن صمودها أيام النكبات والمحن}.
د. غسان صالح عبدالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق