متأخر جدا
ابوشيماء كركوك.
أحرق الأقدام سيرا سريعا وكأنني أركض ، لعلي أصل في الوقت المحدد
لاامتلك ساعة ولا موبايل ،وأخاف أسأل عن الساعة فتكون حاجزا للسرعة ،
ومن شدة اللهاث وكتل الزفير غطى على مصابيح الصباح ،أأطفئت أم اني جئت في غير الوقت وبت لاأرى الأشخاص من الخطى الطويلة
والدرج أقفز اثنتين وأحيانا ثلاثة والطلاب والطالبات تفتح لي الطريق
وعند طرق الباب وفتحه قليلا ،دق الجرس
ضحكوا زملائي وزميلاتي ولكن استاذتي دكتورة علية
- أنت أفضل طالب عندي
ساد الصمت في القاعة وأصبح تحية الصباح عليهم مزعجة
كلمات استاذتي سلسبيل بارد على قلبي وجعلت ضحكات الاستهزاء تنطفي وتتقهقر وتتمنى ما خرجت من قوقعتها
- لماذا تأخرت ياحيدر
- دكتورة ،سيارة الركاب تعطلت
- لماذا لم تركب تاكسي؟
صمت وفي داخلي : مصروفي ألف دينار ..
- لاتبالي سأعطيك اوراق المحاضرة التي أعددتها ،اكتبها وأعدها لي
أمي تعطيني النقود بعد تعبها في العمل عند الجيران ،أحاول قضم الخبز قليلا حتى أصل الى البيت
أربع سنوات أربع سنوات أشرب من كؤوس العشر الأوائل، أزاحم التلاميذ وأجعل القاعة يعلوا رأسها اسمي ويكتب على الجدران
وتشرق ابتسامة الرضا على محيا أساتذتي وخاصة الدكتورة علية
جاءت خطوبتي من فتاة تصغرني أكثر من عشر سنوات ،عطرها شيقا وشعرها الداكن الأسود الثخين ،وهبتني من أطايب الكلمات ،تتقن فن المفردات والقصص رغم عدم اكمالها الاعدادية
هواها لايعجب أمي وأهلي ولكنهم رضخوا لطلبي ،وأول يوم الزواج تكشفت الخدوش على الخدود بعدما رحلت الألوان مع الماء النازل من الدش
تبكي وتسحب شعرها وتمزق ثوبها وأحيانا تجر ثيابي متندمة على الزواج
وأحاول ستر الصوت وفتح مسجل الغناء كي أخفي الالام وراء ضباب الموالات ولكن محاولاتي باءت باختراق الجدران والأبواب
- هذه المرأة التي وثفتها : كركراتها تفتق الزهور
صياحها يمزق صمت الوقار...
أقطع كلام أمي
- اصبري يا أمي مازالت صغيرة وستتربى على يديك
ياغيوم انشري ثوبك الفضفاض على ضوء النجوم ،ولكن جمال النجوم وصوتها
جعل الغيوم تفتح الابواب وبدت الكلمات عارية
كانت أستاذتي وقدوتي عيناها الباسمتان تجعلاني دافئا مطمئنا طموحا
ك أخت كبيرة تتمنى لأخيها النجاح بتفوق وترى أنفاسها على كلماتي ودرجاتي العالية ،
لمحة من وجه زوجتي من خطوط أنفها
في لعبي مع فريق منطقتنا ،كنت مهاجما جيدا ولكن أتردد في ضرب الكرة الا بعد حين وتضيع الأهداف
عثرات زوجتي سهام اخترقت الصدر وأصابت القلب وقضت مضاجع الروح وتعدت خطوط الأهل ولكن الحكمة التي ملأت جوفي وفمي مازالت تغرغر وأكتب صورة الأمل القريبة
أشتاق الى صوت استاذتي ومثلي الأعلى التي جعلت من أفكاري تسمو الى أعلى سلالم الصعود ووضع العلم في القبة العالية
صوت الاصطدام والفرامل التي جرفت الشارع وهيهات من الخلاص
قراره كان متأخرا حتى تعاشق مع السيارة التي أمامه هكذا قال مخطط شرطة المرور
الأفكار تضاربت وكثرت أخطائي في العمل وحتى المواعيد تساقطت مع الاصدقاء والأهل ،
منهم من يجد عذرا ويتذكر كيف نسقي الحديقة
ومنهم من يتذمر
أخوها مهند يحدثها :
لو أنك غريبة عني لقاتلت حتى أتزوجك من جمالك الطفولي
- نغير اسم أبيها في الجنسية ونزوجها لك
هكذا قلت لأخيها وهي جالسة
ضحكنا لما في قلوبنا والنظرات اختلفت
عندما تعود من السوق الى بيتنا تهرب من نساء أقربائنا اللاتي تجمعن في غرفة الجلوس مع أمي
وتهرب من الباب المؤدي الى الطابق العلوي وتغلق الباب
نساء أقربائك يقدحن في شكلي سليطات اللسان يكشفن العيوب ويضعن بهارات مع الضحك وهن لايصلن لجمال قدمي
هكذا تحدثني
تذكرت صديفي سعدي وخطيبته صعدا في سيارة الاجرة ،قالت احدى الراكبات : قرد يتأبط غزالة
ضحكت مع صديقي وقال: صحيح أشبه القرد
قالت زوجتي : من القرد؟
صاحبي وأنا أشبهه وأنتي توأم خطيبته
رسمت على وجهها تساؤلات مبهمة ولكن الجواب أعجبها
استاذتي ضحكاتها جميلة بلا رتوس أو فرشة ألوان، تسقي بذور التعلم لنكون على دربها او نسبفها
تبقى الأزهار جميلة كلما تنظر اليها تعطيك شيئا جديدا لم تره في المرة الاولى، بهجة في عيون الزائرين وتكرم أنفاسهم أجمل العطور التي تنزل بلسما تدفع الهموم
خمسة أطفال وأنا أغني الموالات الحزينة عندما أكون وحيدا ،ومعها أغني الفرح بلساني والسهام تدق أضلاعي
بدت العيون تجد راحتها في الظلام ، أراحة أم هروبا من عتاب ولوم ؟
نصائح أصحابي الذين يكبرون عمري سنينا بالرحيل عن العش حتى أمي ،مادام العش بلا أفراخ صغار
- بني أعطيك نقودا للزواج من الثانية واتركها ستقتل أحلامك الجميلة
قطار مشى وبقى دخانه يحوم حولي ،كانت أبوابه مشرعة للسفر الى محطة أخرى، ولكن العيون تنظر والقلب يرخي الستائر لعلها تفتح بصبح جديد يغرد الهدهد ببشارة خير
ابوشيماء كركوك.