المشير أبو غزالة
فارس من زمن الاياطير
كانت الرياضة البدنية من أهم الطوابير اليومية المنتظمة التي كان قائد الكتيبة الرائد ماجد قنديل يحرص عليها ويحض دائما ضباط وجنود وحدته علي ممارستها بانتظام أثناء مرحلة الاستنزاف قبل أن تلتهب مواجهات القصف المدفعي المتبادل بين بطاريات العدو وبطاريات مدفعيتنا التي كان لها السبق دائما عند احتلال مواقع النيران واخلائها في زمن قياسي مدهش وكذلك سرعة تلبية النيران والدقة في إصابة الأهداف مهما تضاءل محيطها وهذا ماأجمع عليه خبراء وأساتذةأشهر الأكاديميات العسكرية فى عالمنا المعاصر.وتحددت مباراة كرة قدم بناء علي مخطط البرنامج الرياضي للوحده وفوجئنا بقائد مدفعية الفرقة قد أتانا ضيفا ليمارس لعبته الأثيرة ورأس الفريق الأحمر الذي كنت جناحه الأيسر. بدأت المباراة وانهمك الفريقان في اللعب وتعالي الحماس لكن الشباك ظلت عذراء لم تهتز حتي ملكت الكرة وتقدمت نحو مرمي الفريق الأزرق فإذ بالقائد أبو غزالة يشير بيده لأمرر الكرة اليه.. وفعلت فاندفع بها الرجل بمهارة واسكنها شباك الخصم كقذيفة لاتخطئ. ولم تنته المباراة إلا بهزيمة الفريق الأزرق بأربعة أهداف للاشئ أحرز قائدنا الهمام ثلاثة منها.
ومن الرياضة بلهوها الي طابور التدريب العملي لمناورة اشتباك مدفعي مع العدو انهمكت كل عناصر الكتيبة في تنفيذ مراحلها المتتابعة كمنظومة عملية دربوا عليها حتي أتقنوها كل الاتقان . وقد بدا القائد أبو غزالة راضيا عن آلية العمل الدائر فالرائد/ لواء متقاعد ماجد عرفت عنه البراعة التي تصل الي حد العبقرية في ادارة نيران المدفعية بأساليب غير نمطية فهو يكفيه فواصل قبضة يده ليحدد بها زاوية أي هدف يراد قصفه كما أذيع عنه عدم حاجته إلي أكثر من دانة واحدة ليحدد بها ذلك الهدف بدقة متناهية ثم يدمره بعد لحظة وجيزة تدميرا شاملا بنيران مدافعه كلها.
لذا ارتسمت علي شفتي مايسترو المدفعية ابتسامة عريضة كلها ثقة واعجاب وهو يجلس علي مقعده "النقال" الذي يطويه ويحمله دائما في جولاته التفتيشية التي لاتنقطع. ولم يقتصر اهتمامه النشط علي عمله كمفتش لماح يقظ يكفيه أن ينظر بعين صقر ثاقبة إلي مواسيرعشرات المدافع المصطفة ليعرف في لحظة أيها قد أخطئ توجيهه وأيضا كمراقب لايشق له غبار يمكنه أن يكتشف مكمن الخطأ أثناء رماية المدفعية بسرعة البرق ولم يكن لطموحه الفكري التقدمي كذلك حد ينتهي عنده بل تخطي بتطلعه الخلاق حدود النمطية المهنية بسابقة طموحة ينبغي أن ترصد كإبداع فريد لم يسبقه إليها قائد غيره وهو لذلك يستحق بجدارة أن تنسب إليه حين تؤرخ أعماله كقائد مدفعية عبقري لم نر مثله فقد أتي مبكرا كعادته ذات صباح في إحدي جولاته التفتيشية إلي الكتيبة "س" الأثيرة لديه والتي يتولي الرائد ماجد قنديل قيادتها.. أتاها مشرق الوجه مبتسما كعادته وأشار إلي ضباطها فاجتمعوا عند منصة العرض التي أقيمت لمشاهدة مراحل مناورة هجومية بالذخيرة الحية. فوجئنا به يشير إلي القائد المباشر باستدعاء قدامي ضباط الصف فاصطفوا أمامه رجالا أشداء كلهم انتباه وآذان صاغية . واندهشنا جميعا لما أعلنه علي الملأ كتجربة رائدة لم نعهدها تحدث بين ظهرانينا من قبل. لذا قام الرائد ماجد باختيار رقيب صعيدي من أقصي بلاد جنوب مصر.. فتي أسمر نحيل القوام صارم الملامح عرف عنه الذكاء واشتهر بالبراعة في تخصصه كحمدار سطع ليؤدي مهام قيادة الكتيبة خلال هذه التجربة الفريدة وأعتقد أني لم أنس اسمه: رقيب سطع/ حسني تمام كما اختار رقيبا نابها ذا كفاءة رائعة ودمنهوريا قحا من أقصي شمال دلتا مصر موطن الرجال المهرة الذين لايمكن خداعهم وأحسب أني مازلت أذكر اسمه أيضا : رقيب سطع/ مصطفي نوار وقد أسندت إليه قيادة إحدي سرايا قتال الكتيبة ، وقام أيضا بانتقاء آخرين من صفوتهم شاركوا في قيادة باقي وحداتها الفرعية مازلت أذكر أبرعهم علي الاطلاق: رقيب/ ملازم أول محمود بسيوني ابن المنوفية الحاذق التقي الذي كان يضرب به المثل في عشقه لعمله وبراعته كضابط صف محترف يعاون النقيب 'محمد نادي' في قيادة وحدته الفرعية. وقد أجادوا جميعهم في أداء مراحل المناورة التي اكتملت بنجاح مدهش كما خطط لها "أبو غزالة" ذلك القائد البارع ذو الرؤية العبقرية التي تؤكد تفرده وسبقه الفكري المتميز.
وجوده الحاضر بين الجند وقربه بث في أفئدتهم تلك الحماسة التي تجسدت جلية في ملامحهم المصرية مؤكدة اصرارهم العنيد لتحقيق نصر حتمي علي عدو لئيم وهزيمة اسطورة تفوقه الزائفة واستعلائه العرقي الكاذب . وبعد يومين أعد مؤتمر عام لضباط وصف وجنود مدفعية الفرقة وفوجئنا بقائدنا الحبيب يعتلي المنصة خطيبا مفوها فيأسر العقول بثقافته العسكرية وبلاغته الرائعة ثم حول المؤتمر قبل ختامه بدبلوماسية فائقة الذكاء الي منتدي حر للأدب والشعر واستهله بقصيدة جيدة أجاد نظمها ونالت كل الاستحسان وتقاطر بعده كل صاحب موهبة من الجند وكذا الضباط وضباط الصف يقدم كل منهم مالديه من أعمال الأدب والشعر والزجل مما جعل المنتدي يزخر بتلاحم الرتب والدرجات الأخري من مقاتلي المدفعية في عناق حميم مع قائدهم الذي يؤكد أصالة المصري منذ القدم .
والرجل لم يكن فظا يرهبه مرؤوسوه أويتحاشي أغلبهم لقاءه خشية تجهمه وغضبه ولم يكن كذلك بيروقراطيا جامدا لا أمل لهم في عرض مطالبهم عليه طمعا في تحقيقها. لقد كان أبو غزالة في الحقيقة نعم القائد المهيب الذي ترفع يدك لتحيته عسكريا وقلبك يخفق مبتهجا قد انتابه سرور ودود لاتعرف له ترجمة فورية وكان خير أب يمكن لجندي بسيط أن يقف أمامه غير وجل فينقل اليه شكواه في انسيابية رائعة . وهناك وقائع كثيرة يتناقلها الضباط والجنود عما قدمه قائد المدفعية لهم من مآثر وحلول لقضايا شائكة لم تكن لتري النور علي الاطلاق عبر قنوات التسلسل القيادي .
وهذا ما تحقق معي بالفعل وأستطيع أن اؤكد حدوثه فقد تعثرت بعض مستحقاتي المالية وكان محتما اللجوء الي بيروقراطية الورقيات التي ربما كانت تؤتي أكلها علي الأرجح بعد انتهاء حرب اكتوبر ! .
تصور.. إن الأمر كله لم يستغرق سوي دقائق معدودات لشرح حاجتي في ايجاز وأيضا لحظة وجيزة جدا ليسجل معاون القائد مطلبي والأغرب الذي لم أكن لأصدقه لولا حدوثه وما أثار دهشتي واعجابي أن ماانتظرته أعواما تحقق في بضعة أيام !!
وضابط المدفعية المصري له سجله التاريخي الحافل بالبطولات التي تشهد علي ذكائه وجرأته وسبقه الميداني في كل المعارك التي خاضها الجيش المصري منذ بداية تشكيل بطاريات المدفعية في عهد الوالي الأكبر مؤسس الدولة المصرية الحديثة . ولاشك أن بطلنا الذي نحن بصدده هو نموذج الضابط المصري الحاذق الذي وهب ملكة فن القيادة بذكائها الرفيع وقدراتها الفائقة علي التخطيط بكل صوره الميدانية مما جعله يرقي الي مستوي عظماء مقاتلي الوطن الأوائل الذين تغنت طوائف شعب مصر بأهازيج بطولاتهم الأسطورية وانتصاراتهم علي مدي التاريخ . فقد تقرر اجراء مناورة عظمي بمستوي مدفعية فرقة خطط لها بدقة وحشدت لها كل المدافع من مختلف الأعيرة وتمت كل اجراءتها الميدانية دون عقبات وأدار نيرانها ذلك الرجل ببراعة المحترفين فانطلقت القذائف متتالية تقصف أهدافها مدوية كأن السماء قد أمطرت نارا وحمما متلظية تساقطت كحجارة من سجيل.وقد عاونه قادة وضباط الكتائب جميعهم المشاركون في المناورة بأستاذية وحرفية راقية وكان من أبرزهم النقيب/لواء متقاعد" محمد نادي" كريم المحتد الذي يهرع بنبله دائما لنجدة المظلوم بلا أي تلكؤ أو تردد .. وهو الرجل الوسيم ذو الوجاهة والأناقة المتوقد الذكاء الذي عرفت عنه الرؤية الصائبة والبراعة في قيادة وحدته الفرعية وادارة نيرانها بمهارة المحترف وكذا رفيق سلاحه النقيب/ لواء اح متقاعد سيد عبد الفتاح رجل المدفعية المتألق اللامع الذكاء صاحب ديناميكية القيادة البارعة والذي يعمل دائما دون جلبة وتتكلم عيناه اليقظتان بهمس ذكي محبب والحاضر دائما بضحكته الآسرة التي ورثها عنه ولده "حسن" فيما بعد . ولا يمكن أن نشير إليه ونتحدث عنه دون أن نذكر كضرورة حتمية توأمه ملازم/ عميد متقاعد محمد نجيب الذي يكاد يشبهه في سمته وكثير من صفاته وطباعه وكذلك قربه إلي قلوب مرؤوسيه لدماثة خلقه وحسن علاقته بهم كما لاتنسي براعته وتفوقه كضابط مدفعية قدير يعد من أوائل من طار محلقا لإدارة نيران المدفعية بالمروحيات . وضابط متميز آخر لايمكن اغفاله عند الحديث عن فرسان نخبة "أبو غزالة" ويعد ألأقدم والأكثر خبرة وتجده علي رأس باقتها : رائد/ لواء أح محسن عبيدو ذو القلب الذهبي الذي ورثت عنه ابنته الرائعة "هبة" سمو خلقه وذكاءه المتميز وكذا ورث عنه ابنه " هاني" نقاء قلبه ورقي مبادئه. لقد آمن بعين المبدأ الخلقي الذي كان يعتنقه بطلنا الرائع.. ألا تعاقب مخطئا بقصم ظهره فليس الخطأ المهني نهاية المطاف ولتسارع بمد يد العون إليه وتقيله من عثرته فربما تسدي إليه مايجعله يحقق نجاحا رائعا في عمله بعدما يكتسب خبراته العملية التي تؤهله لينضم الي باقة النخبة . ومن رجال المدفعية البارزين ذلك القائد المحنك الذي كانت له جولاته في اشتباكات وحدته مع العدو الصهيوني في أهم معارك المدفعية أثناء مرحلة الردع والاستنزاف نقيب/ عقيد أسامة كرد - رحمه الله- الذي يعد من أعظم رجال المدفعية علما وخلقا كما تشعرعند العمل تحت قيادته بصدق المشاعر والنوايا وأن حصاد جهدك حتما ستناله مع فوائد جمة لاتضيع عنده .
وقد أبقيت إلي ختام قائمة رواد الكتيبة نقيب/عقيد اح سعد الجندي كلحن أنشودة بلادي الذي تزداد حلاوته عند ختامه .. رجل المهام الصعبة النشط الدؤوب كنحلة تجدها في كل مكان محلقة بجناحين لايكلان وصاحب الرقي المهني الذي ميزه كرئيس عمليات بارع وهب عبقرية التخطيط في ميدان القتال وامتلك إرادة فولاذية حقق بها أعباء واجباته باصراروجلد كما لم يبلغ أحد أقرانه مابلغه من حب رؤسائه له وكذا عشق جنوده لأريحيته ودماثة خلقه وبساطته.
هؤلاء الضباط جميعهم لايمكن للمرء أن ينسي أحدهم علي الإطلاق فهم من نخبة "أبو غزالة' المعلم الأكبر الذين تخرجوا من جامعته الشهيرة . والمعهود دائما أن انتهاء المناورة يعني أن يغادر قائدها ورهطه فورا إلي مقر قيادة الفرقة بعد عناء يوم شاق شمسه حارقة ثم يعقد في صباح الغد مؤتمر خاص لتقييم برامج المناورة ونتائجها وبالتالي تعلن كل الدروس المستفادة لكل المستويات المختلفة .
لكن رجلنا المختلف عن نظائره ركب سيارته وأمر سائقها أن يتجه إلي مواقع نيران المدفعية ثم سار علي قدميه عبرواد رملي حتي بلغ حشد رجاله الأشداء المصطفين خلف مدافعهم في انتظاره .
أقبل عليهم باش الوجه فرحا بنجاح رائع أنجزوه وعانق سائر الضباط وضباط الصف كل علي حدة فقبل بذلك مئات الوجنات المتربة التي لفحها القيظ الحارق. ولا أخفي علي قارئي العزيز أني أتحسس الآن وجنتي متذكرا روعة هذا الرجل المتواضع - رحمه الله- وحبه الفطري كمصري أصيل لمرؤوسيه وتقديره الصادق لهم . ولم ينس الرجل بذكائه أن يختار عددا من الجند أشار إليهم فأسرعوا إليه كالحمائم دعاهم صاحبهم فأتوه خفافا . كانوا من أبناء أرض مصر الطيبة يفلحونها بأيديهم الخشنة ويروونها بعرقهم العزيز ويحفظون بالقسم المقدس عهد إخلاصهم لها. تسجد جباههم علي ترابها كل يوم لله سبحانه خمسا لاسبيل إلي ترك أو كسل. الجد طابعهم وصبر الترقب حتي تؤتي الأرض ثمارها بعد زرعها قد نحت غائرا في ملامحهم المصرية.
ربت" أبو غزالة" بيده الحانية علي أكتافهم سائلا عن أسمائهم وقراهم وأبدي اهتماما جادا بأحوالهم وأخذ يمازحهم فيبتسمون لابتسامه ويضحكون لضحكه كأنهم أصدقاء قدامي التقوا بعد بعاد طال زمنه .! وملحمة القصف المدفعي الذي تلا غارات سلاح الجو المصري الاستباقية في مستهل حرب التحرير مازالت حاضرة بوثائقها الحية تتحدث باسهاب عن عبقرية "أبوغزالة "عندما كلف تعبويا بتنفيذ خطة التمهيد النيراني الميداني لألفي مدفع علي طول خط النار وفعلها الرجل بأستاذية وبراعة ضابط المدفعية المحترف فتساقطت حمم جهنم فوق رؤوس جند بني صهيون علي طول جبهة القناة واختفوا فزعا في خنادقهم وتعطلت آلة حرب جبهة الجنوب وأصابها العطب ساعات معدودات كانت كافية ليعبر مردة المصريين أثناءها خط بارليف وليحطموا الصنم العبري وترتفع بذلك هامة مصر عالية ويرتد مكر زعماء اسرائيل الي نحرهم خزيا وعارا . ولم ينس سائر المصريين بطولة قادة ورجال مدفعية الجيش الثاني هؤلاء الرواد الذين اقتدوا بالمعلم الأكبر فكلهم كانوا في جبهة القتال بلا غرو"أبو غزالة" القائد الأسطورة وقد تجسدت بطولتهم بالفعل واقعا رائعا حين اندفع العقيد/ عساف ياجوري - قائد اللواء ١٩٠ مدرع - في خضم حرب التحرير- بدباباته الباتون محاولا اختراق كل الدفاعات ليصل الي مدينة القنطرة غرب مجتاحا لها حتي يزحف بعد سقوطها الي مدينة الاسماعيلية ويحتلها ليتمكن الاسرائيليون بوصول تعزيزات شارون صانع الثغرة -عديمة الجدوي- أن ينجحوا في احكام حصار الجيشين الثاني والثالث بطول غرب القناة إلي مدينة السويس الباسلة. لم يتصور ذلك المغامر مدي خطئه الجسيم ولم يفطن الي الشرك الذي سيق اليه مع دباباته الأمريكية الشهيرة واستمر مندفعا كمغرور متعال الي أن ولج أرض قتل أعدت للوائه بمكرودهاء ولم تكتشف عناصراستطلاعه حمق ماأقدم عليه فوقع كدب غبي في براثن ذلك الشرك وانطلقت المدافع تهدر صارخة كزوابع الكون كلها وتساقطت قذائفها المتطايرة كغلالة نيران ايقاف وتدمير انقضت علي دباباته وآلياته تفتك بها كدمي وتقذف بها إلي أهوال الجحيم . ناهيك عن صواريخ م/د "مفاجأة حرب اكتوبر" التي كمنت مختفية في خنادقها تنتظر وقوع اللواء بأكمله في مصيدة المغفلين فأكملت تدمير ماتبقي من دباباته وآلياته واحرقت بنارها جند صهيون بين جنباتها وصهرت أشلاءهم مختلطة مع هياكلها الصلبة التي تحولت الي ركام أسود.
وخسرت اسرائيل الحرب وانكسر غرورها وضربت غطرستها في مقتل واجبرت علي الانسحاب خزيا بينا طائر الهزيمة الدميم ينعق في أنحاء مستعمراتها ومواقعها الخربة التي اخلاها جنودها وهم يبكون كما بكي أتباع السامرىوذرفوا الدموع الحري ندما لتركهم مصر أرض الخير والنعيم واتبعوا كليم الله موسي" عليه السلام" هوانا الي أرض الميعاد!.
وكأن قائدنا العظيم علي موعد مع قدره المكتوب فقد اختير رئيسا لأركان سلاح المدفعية ولم تخف عبقريته ورقي فكره عن جالب النصر المؤزر السادات "رحمه الله" فأرسله ملحقا عسكريا لدي العم سام وكانت ضربة معلم لصواب اختياره إذ جلب لمصر مكاسبا سياسية وعسكرية جمة فقد نجح بذكائه أن يوطد مع واشنطن العلاقات التي انحسرت وتقلصت في عهد ناصر ويعيد إليها عافيتها وازدهارها ونال اعجاب أبنائها فأشادوا بقدراته ونجاحه المتواصل وكانت مصر دائما في عينيه فنجح في عقد أكبر صفقة سلاح أمريكي لمصر وفاز الجيش المصري بموجبها بنصيب وافر من البعثات العسكرية في شتي المجالات ودعمت سائر افرع القوات المسلحة الرئيسية والمعاونة بشتي المعدات الحديثة الدفاعية والهجومية علي السواء .
وبالطبع جمعت المؤسسة العسكرية المصرية بهذا السبق بين تكنولوجيا الغرب وتقنياته المتطورة وماأمكن الحصول عليه من الترسانة الروسية في هذا المضمار . وليس ماسبق غير النزر اليسير من انجازاته وابداعه فقد تسلم حقيبة الدفاع بعد عودته من لدن العم سام وقدم المآثر الكثيرة لرجاله أبرزها قتاله في بيت الأمة لإعادة هيكلة وتنظيم القوات المسلحة واصراره العنيد لتعديل رواتبهم وتسوية معاشات من تقاعدوا الي حياة كريمة تليق بما قدموه من تضحيات علي خط النار سنين طوال . ولم يغفل ترقية الجندي المصري كانسان وهو يضع خطط تطويركافة احتياجات المؤسسة العسكرية فقد نسي مظهر زيه علي الاطلاق ولم يكن يؤبه لوسائل اعاشته ولم يهتم من سبقه بتطوير مستوي فكره وقدراته ولم يكن يحصل علي أدني حقوقه مقارنة بما يحصل عليه الجندي الأجنبي في بلاد الفرنجة. وألغي بجرأة المحارب ذلك التسيب المشين الذي سهل توزيع أغلب مجندي المؤهلات العليا أبناء علية القوم الي الادارات والهيئات ومعاهد القوات المسلحة بالعاصمة كأنهم أرقي وأفضل آدمية من أبناء الفلاحين ومن لم يحظ بفرصة تعليم جامعي فحقق بذلك عدالة واجبة غابت عن مصرنا طويلا.
وشوهد رجاله وهم يرتدون زيا أنيقا يؤكد نهاية حقبة من أسوأ ما عاني العسكر أثناءها من اهمال ردئ لمظهرهم وتقصير مزر لآدميتهم. وسعي باهتمامه المتطلع دائما الي الكمال فأمر بوضع برامج محو أمية الجنود الذين لم يحظوا بفرص تعليم اساسي وساهم بذلك في بدء نهضة حضارية أسس لنجاحها المؤكد قواعدا ثابتة قوية . وأصدق مادل علي سعة أفقه وعبقرية فكره البرجماتي النافع استخدامه قدراته الخلاقة لبناء صرح اقتصادي متكامل جمع شئون الزراعة والصناعة في منظومة رائعة اتاحت للقوات المسلحة اكتفاءا لوجستيا ذاتيا لسائر أفرعها بلغ شأنا جعلها تستغني عن حاجاتها الادارية والتموينية من مؤسسات الدولة في السلم وكذا في أوقات الحرب عند حدوثها الطارئ. وقد أكد باستراتيجية زراعة آلاف الأفدنة من القمح المصري المعروف بجودته ليكفي حاجات الجيوش المصرية من الخبز الجيد وسائر منتجاته المتنوعة ..أكد بذلك رقي فكره كوزير دفاع غير نمطي أعاد بهذا الانجاز الفريد عراقة وعظمة مصر التي كانت تصنع مايكفي من طعام أهلها وتصدر فائضه إلي دول الجوار . وأتاحت لها ايضا انشاء مراكز مهنية لتدريب أجيال من صناع وفنيين مهرة تعتمد عليهم أفرع القوات المسلحة في شتي احتياجاتها الفنية المختلفة. وتطرق انجازه أيضا الي مابعد تقاعد رجاله من ضباط وضباط صف فتقرر بفضل رؤيته الصائبة أيضا انشاء نظام مالي عملاق يوفر لهم عائدا ماليا طيبا من صندوق ادخار خاص يطمئن كل من تقترب ساعة تقاعده فلا يخاف عوزا أو احباطا ينجم عن خشية املاق.
ولم يكن معهودا فيما سبق أن تخوض الفتاة المصرية تجربة التحاقها للعمل بالجيش في غير سلاح الخدمات الطبية فحرص الوزير النابه أن توزع الفتيات الملتحقات علي كافة الاسلحة ليقمن بأعمال السكرتارية ويحققن المهارة العملية التي تجيدها الأنثي بما جبلت عليه من براعة ودقة وجلد في الأعمال المكتبية المبختلفة والاتصالات بكل صورها وبذلك تمكن من كسر رتابة بيروقراطية عفنة قيدت تطلعها للعمل في مجالات كانت تحرم من مجرد الحديث عنها كحق يساويها مع أندادها من الرجال . وبعيدا عن نطاق "الميري" لجأت إليه القيادة السياسية يوم تعرض الوطن الي خطر داهم كاد يتحول الي كارثة حين تمردت بعض قوات الأمن المركزي وأثارت زوبعة دموية سارع الوزير القدير باحتوائها بذكاء القائد المحنك وكسر عنفوانها فردت الفتنة الي نحر من نفث في نارها وسلم الوطن من خطر مستطير أوشك أن يحيق به شره الجسيم. ولم نسمعه قد خرج الي فئات الشعب عبر وسائل الاعلام متباهيا بانجازه الرائع كما لم نشاهده قد جلس الي هؤلاء الذين لايمتلكون سوي أكف لاتجيد إلا التصفيق الغبي.
وأبو غزالة كأب حنون عرف عنه حبه الجم لعائلته فلعلي لاأنكأ جرحا شفي واندمل حين أثني علي صلابة إيمانه القوي إذ لم يحن رأسه منهزما حين قدر له أن يري بعينيه مشهدا ينهار لرؤيته أقوي الرجال وأشجعهم يوم صدمت سيارة مسرعة فلذة كبده فأودت بحياتها أمامه وتقطعت لرحيلها نياط قلبه وجعا وألما لكن جلده وصبره كفكفا دمع عينيه فاحتسبها عند ربه شهيده .
وثمة بطولات عظيمة وانجازات أخري لاتحصي تحتاج إلي صفحات عدة تتوج حكاية رجل قلما يأتي الزمن بمثله ويندر أن يتكرر سيناريو تفوقه ورقي مبادئه وخلقه كابن دلتا مصر التي كونها غرين نيل الكنانة والدة الأبطال والعظماء وصاحبة المجد التليد. كل هذه الانجازات لها صاحبها الذي يستحق أن يقام له صرح يخلده لكنا دائما نغفل ما يستحقه عظماؤنا وننسي ماأنجزوه لمصر عندما تغرب الشمس عن سمائهم ويأتي الليل بعتمته يسربل كل جيد ورائع في سيرهم فكأن سحرا أسودا شاب أستاره فطمس ذكريات أمجادهم . ولعل سيرته بأحداثها العديدة المتشابكة تستحق كتابا مطولا لايسقط أي حدث ولو كان يسيرا وأهم حدث ينبغي أن يدون في صفحاته مافعله تلقائيا وبفطرة المحارب النبيل حين رفض بكل الحزم أن يتولي بيت المال نفقات سفره الي بلاد الفرنجة لفحصه طبيا إثر علة أصابته وهي فرصة لم يضيعها من سبقه ممن فاقوه ثراء وغني ولم يحققوا لمصر قدر ماقدمه لها رجل المدفعية الأسطورة كفارس شهم لايبتغي مجدا أو جاها . إن رفضه أن ينفق علي سفره من ميزانية هبات بيت المال له دلالته الجلية التي تؤكد كرم محتده ونبل خلقه وترفعه عن الدنايا ومساوئها فتاريخ حياته القريب إذا تسني لكل مصري أن يرجع إلي صفحاته سيجد في إحدي سطورها الوضاءة أن الرجل عندما أراد اقتناء سيارة "من حر ماله"وهو علي قمة جهاز المخابرات الحربية لم يرسل غير ابنه وحده لاستيفاء اجراءاتها الجمركية !! أليس مافعل إلا دليل دامغ لاريب في صدقه أن " زهور الأمراء" قد أنجبت إبنا بارا جديرا بالثناء ؟. أليس تقبيله يد زوجته وهو علي فراش مرضه اعتراف بين بما قدمت من حب صادق واخلاص دائم لرجل قضي جل سنوات عمره في غربة فرضتها حياته العسكرية ، وشكر صادق لاحد له لمابذلت أيضا من تضحيات لاتحصي لتربية أولادهما خير تربية وأفضلها ؟. هكذا كان كرام الفرسان دوما يفعلون كما جاء في سير الأيام الخوالي وقد فعلها" أبوغزالة "صادقا في عصرندر فيه الفرسان وأوشكوا أن ينقرضوا ! .
وحانت منيته فقضي لم تهن ارادة صموده فيجهر بألمه وأسلم الروح لخالقه مؤمنا قويا لم يضعف أمام دنو أجله . وستظل صفحات حياته المجيدة كشعلة الحياة لاتنطفئ قط وستبقي مآثره وانجازاته خالدة علي الدوام.
محمد رفعت علي عيد